17 % زيادة في إعلانات الوظائف الجديدة بالإمارات
التحول الرقمي يدفع بزيادة الوظائف الجديدة في دولة الإمارات
شهد شهر يناير/كانون الثاني من عام 2024 في دولة الإمارات زيادة ملحوظة في عدد الوظائف الجديدة بنسبة 17%، في ظل سعي الدولة لتعزيز مكانتها كمركز رئيسي للتكنولوجيا عبر تبني استراتيجيات الاقتصاد الرقمي وتشجيع ممارسات العمل عن بعد. تهدف هذه الخطوات إلى جذب ما يقارب 300 شركة ناشئة في المجال الرقمي بحلول نهاية العام 2024، وفقاً لما ذكرته شركة “تاسك” للتوظيف.
في السياق ذاته، من المتوقع أن يشهد العالم زيادة في عدد الوظائف الجديدة الرقمية من 73 مليون وظيفة في عام 2024 إلى 92 مليون بحلول عام 2030. وتجدر الإشارة إلى أن البيئة السوقية في الإمارات توفر فرصاً جذابة للمتخصصين ذوي المهارات الرقمية في مختلف القطاعات، سواء الحكومية أو الخاصة، التي تتطلع لمواكبة الموجة الجديدة من التحول الرقمي.
من جهته، أكد ماهيش شهدادبوري، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “تاسك للتوظيف“، في حديثه لصحيفة “الخليج”، على أهمية تزود العاملين بمهارات جديدة تتماشى مع متطلبات الاقتصاد الرقمي، مشيراً إلى أن 67% من الشركات تعتمد حالياً على الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المتقدمة.
وأشار إلى أن السرعة في التحول الرقمي التي تشهدها الشركات تؤكد على الدور المتزايد للوظائف الجديدة المؤقتة في مجال تكنولوجيا المعلومات بدبي، وهو ما يتطلب من الشركات اعتماد نهج مرن في استقطاب الكفاءات المتميزة. يُعد فهم هذه الديناميكيات المعقدة والمتطورة أمراً ضرورياً لمواجهة التحديات واغتنام الفرص في سوق العمل الرقمي بالإمارات.
طلب متزايد
يلاحظ في الوقت الراهن أن هناك زيادة مستمرة في الطلب على الكفاءات والمهارات الرقمية ضمن سوق العمل في دولة الإمارات، وذلك يشمل مجالات مثل الحوسبة السحابية، تحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني. وقد سجلت شركة “أي كيو” المتخصصة في توظيف الكوادر التقنية، والتابعة لمجموعة “تاسك”، ارتفاعاً كبيراً في فرص الوظائف الجديدة المرتبطة بهذه الأدوار المهمة والمطلوبة بشدة في السوق.
أضاف ماهيش شهدادبوري أن الشركات والمؤسسات الحكومية تجد صعوبة في العثور على أشخاص ذوي الكفاءات اللازمة في هذه المجالات، رغم تقديمها خيارات مرنة مثل العمل الهجين أو عن بُعد. وقد أشار استطلاع رأي إلى أن الكثير من الموظفين يعتقدون بأنهم بحاجة إلى تطوير مهاراتهم الرقمية للبقاء ضمن القوى العاملة المؤهلة، معبرين عن مخاوفهم من إمكانية فقدان وظائفهم خلال السنوات الخمس المقبلة بسبب نقص المعرفة بتكنولوجيا المعلومات.
لذا، يتطلب من الموظفين الاهتمام بتعلم وفهم أساسيات الأمن السيبراني، والبقاء على اطلاع بالتقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي والأتمتة، للحفاظ على تنافسيتهم في سوق العمل. تُعد هذه المهارات الرقمية حجر الزاوية لمواكبة التطورات والاحتياجات المتغيرة لمختلف الصناعات في السوق، حيث تسعى الشركات إلى تبني الحلول الرقمية والتقنيات المتقدمة لتحسين أدائها وزيادة كفاءتها. إن الاستثمار في تطوير المهارات الرقمية يُعتبر استثماراً في المستقبل، مما يُمكّن الموظفين من التكيف مع متطلبات الوظائف الجديدة ويفتح أمامهم آفاقاً واسعة للتقدم والنجاح في مسيرتهم المهنية.
أهم القطاعات
يؤكد ماهيش شهدادبوري على الأهمية البالغة للمهارات الرقمية في دفع عجلة الابتكار وتلبية متطلبات السوق المتغيرة بسرعة، سواء في القطاعين الحكومي والخاص بدولة الإمارات. هذه المهارات تمثل ركيزة أساسية في تحقيق أهداف المبادرات الحكومية كمشاريع المدن الذكية، حيث تلعب التكنولوجيات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، والأمن السيبراني دورًا حاسمًا في تطوير وإدارة البنية التحتية وتقديم خدمات متطورة.
في المجال الصحي، نشهد تحولاً رقمياً ملحوظاً يزيد من الاعتماد على الطب عن بُعد وتحليل البيانات الصحية، مما يفتح آفاقاً واسعة لتوظيف تقنيات جديدة. وفي قطاع التعليم، تبرز أهمية منصات التعلم الرقمي التي تخلق فرصاً للمعلمين المتخصصين في تكنولوجيا التعليم والتعلم الإلكتروني.
أما في القطاع الخاص، فتحرص شركات التكنولوجيا على تطوير الخدمات والبرمجيات الرقمية، وكذلك حلول الأمن السيبراني. وتعتبر المهارات الرقمية حجر الزاوية في قطاعي التجارة الإلكترونية والبيع بالتجزئة، حيث تُستخدم في التسويق الرقمي وتصميم تجارب المستخدم لتحسين تفاعل العملاء. في مجال التمويل والخدمات المصرفية، تُسهم الابتكارات في تكنولوجيا البلوك تشين وعلوم البيانات في تطوير الخدمات المالية. ولا يُغفل عن قطاع الضيافة والسياحة الذي يستفيد من التسويق الرقمي وأدوات إدارة الخدمات لتعزيز تجربة الضيوف.
شهدادبوري يُشدد على أن قطاع الاتصالات يشهد احتياجًا متزايدًا للخبرات في مجال البنية التحتية للشبكات والأمن السيبراني، خصوصًا مع توسع شبكات الجيل الخامس. كما تُساهم التقنيات الرقمية مثل الأتمتة والصيانة الاستباقية في تحديث وتطوير عمليات التصنيع التقليدية، ما يزيد من الطلب على المهندسين ومطوري البرمجيات. هذه الأمثلة تُبرز كيف أن المهارات الرقمية
مساهمة الاقتصاد الرقمي % 25
يشدد الدكتور محمد اللوغاني، الخبير الرائد في “جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”، على الدور الحيوي الذي تلعبه المهارات الرقمية في تعزيز الابتكار، ريادة الأعمال، والتطور الاقتصادي في دولة الإمارات، بفضل الرؤية المستقبلية والاستثمارات الكبيرة التي تضخ في مجالات البحث والتطوير والبنية التحتية. يبرز التزام الدولة بتحويل الإمارات إلى مركز رائد للتحول الرقمي والتطور التكنولوجي، مؤكداً على أهمية نشر ثقافة الابتكار وتمكين الأفراد من استخدام التكنولوجيا لإيجاد حلول للتحديات المعقدة.
يتجلى تأثير المهارات الرقمية في سوق العمل بدولة الإمارات بشكل واسع وملموس، حيث يتم العمل على تعزيز هذه المهارات من خلال الاستثمار في التعليم الرقمي وبرامج التدريب المختلفة. هذا يهدف إلى إعداد الأفراد للمشاركة بفعالية في الاقتصاد الرقمي، دفع عجلة الابتكار والمساهمة في ضمان استمرارية نمو وازدهار المنطقة.
الدكتور اللوغاني يشير إلى التقديرات التي أصدرها البنك الدولي والتي تعلن عن توقع نمو مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 25% بحلول عام 2025. هذا يضع تطوير المهارات الرقمية كواحد من أهم التحديات التي تواجهها الدول والمؤسسات في الوقت الراهن.
المهارات الرقمية أصبحت شرطاً أساسياً للتوظيف في مجموعة متنوعة من القطاعات و الوظائف الجديدة ، من تكنولوجيا المعلومات إلى الهندسة، الخدمات المالية، التسويق، والرعاية الصحية. تبحث الشركات عن موظفين يتقنون المهارات الرقمية الأساسية والمتخصصة، مثل تحليل البيانات، البرمجة، الذكاء الاصطناعي، والأمن الإلكتروني.
“جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”، كأول جامعة بحثية متخصصة في الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، تدعم بشكل كبير هذه المبادرات وتهدف إلى تمكين الطلاب والشركات والحكومات من استغلال الذكاء الاصطناعي
كمحرك عالمي للتقدم الإيجابي والابتكار في مختلف القطاعات. يؤكد اللوغاني على أهمية هذه المساهمات في تحفيز النمو وتسريع وتيرة التطور الرقمي عبر الصناعات بالإضافة إلى ذلك، يسلط الضوء على التحدي الذي يمثله الطلب المتزايد على المهارات الرقمية، الذي يتجاوز العرض المتاح، مشيرًا إلى الفرص الواسعة التي تنشأ نتيجة لهذا الخلل. يعتبر الاستثمار في التعليم والتدريب الرقمي أمرًا حاسمًا لسد الفجوة في المهارات والحفاظ على تنافسية القوى العاملة في اقتصاد يشهد تزايدًا في اعتماد الحلول الرقمية
تطلق “جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي” البرنامج التنفيذي للذكاء الاصطناعي (MEP)، وهو برنامج يوفر لقادة الشركات والقطاع الحكومي فرصة للمشاركة في دورات مكثفة تركز على تعزيز الفهم والتطبيق العملي للذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. هذه البرامج مصممة لزيادة الوعي حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق تأثير إيجابي ومستدام في المجتمع والاقتصاد.
تتطلب هذه الجهود المشتركة بين المؤسسات التعليمية، الشركات، والحكومات تعاونًا وتنسيقًا لضمان تطوير مجموعة من المهارات الرقمية التي يحتاجها سوق العمل المستقبلي. من خلال تعزيز التعليم والتدريب في المهارات الرقمية، تسعى دولة الإمارات لتأمين مكانتها كمركز رائد في الابتكار والتطور التكنولوجي على المستوى العالمي، مستفيدة من الفرص التي يوفرها الاقتصاد الرقمي لتحقيق نمو وتقدم مستدامين.
تضاعف القطاع التقني
يعكس سوق العمل في الإمارات ديناميكية ونمواً استثنائياً، وذلك يعود إلى الثقة المتزايدة في الاقتصاد وتدفق الاستثمارات الأجنبية بشكل كبير. ربيع عطايا، الرائد والشخصية البارزة وراء “بيت.كوم”، يشير إلى أن القطاع التكنولوجي يمر بمرحلة ازدهار غير مسبوقة في دولة الإمارات، حيث من المتوقع له أن يشهد نموًا ثلاثيًا، من 20 مليار دولار إلى 60 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، يسلط الضوء على النمو السريع في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي يتوقع له نمو بنسبة 20%، استنادًا إلى استبيان “بيت.كوم” و”يوجوف” لعام 2023.
يتميز القطاع المصرفي/ المالي/ المحاسبي بتوظيفه لأعلى نسبة من الخريجين الجدد بنسبة 19%، في حين أن قطاع تكنولوجيا المعلومات/ الإنترنت/ التجارة الإلكترونية يتبعه مباشرة بنسبة 18%. هذا يؤكد على الدور الرئيسي الذي تلعبه هذه القطاعات في استقطاب وتوظيف المواهب الشابة والطاقات الجديدة.
يؤكد عطايا على أن دولة الإمارات تُعد بيئة خصبة ومحفزة لرواد الأعمال الذين يمتلكون المهارات والخبرات الفريدة، مما يسهم في تنوع سوق العمل و الوظائف الجديدة ودعمه بشكل مستمر. تواصل الإمارات تعزيز مكانتها كمركز ريادي للأعمال، مما يعكس الجهود المبذولة في دعم وتطوير المشاريع الناشئة والمبادرات الريادية، التي بدورها تُعزز النمو الاقتصادي وتفتح آفاقاً جديدة للعمل والابتكار في الدولة.
من خلال هذا النمو الملحوظ والتوسع في القطاعات التكنولوجية والرقمية، تسعى دولة الإمارات إلى ترسيخ مكانتها كمحور رئيسي للابتكار والتطور التكنولوجي على مستوى العالم، مستقطبة الاستثمارات والمواهب العالمية وموفرة بيئة مثالية للنمو والازدهار في عصر الاقتصاد الرقمي.